ابن رشد

بقلم القاضي/ مصطفى الشريف

· اوراق ومقالات

 

توطئة

(متلازمة ابن رشد)

حين شرعت أبحث عن مادة حديثة النشر تضاف لما كتب عن الفكر القانوني لشخصية لم يزدد اسمها بعد قرون من غيابه إلا سطوعاً، الشارح الأكبر أبو الوليد ابن رشد، وقعت بين يدي أطروحة بحثية قيمة منشورة بجامعة أليونيس بالولايات المتحدة، وقد حملت عنواناً مثيراً: "متلازمة ابن رشد"، وقد كتب بالإنجليزية: Ibn Rushd Syndrome. كان موضوع البحث هو إشكالية الاسلام والغرب، وقد كثر البحث فيها والكتابة عنها في مطلع القرن، إبان أحداث سبتمبر ٢٠١١. فصُكَّ المصطلح "متلازمة ابن رشد" عنواناً لكل إسلامي مستنير، قائم على العقلانية، متقاطع مع قيم الغرب غير مرة، يقف على أرضية مشتركة دون انسحاق ولا ادعاء.

تلك المتلازمة قد يكون أضمر كاتبها أنها خصم يقابل "متلازمة أبي حامد الغزالي"، وإن لم أجد بعد ما يصف إنتاج الغزالي بالمتلازمة بعد، بوصفه الوجه الآخر، المستمسك بحرفية النص، خصم الفلسفة، المجادل عن إخراجها من الملة والشريعة. كان البحث قيماً، إلا أنني بغير مجهود قد وقفت على يقيني بأن الشيخين، ابن رشد والغزالي، قد اختزلتهما الأقلام التي اجترأت على التصنيف والعنونة دون صبر، حتى تدعي الانتهاء من قضية فكرية لا تحسمها بحوث طويلة.

وبعد، فقد خُصِّصَت هذه المساحةُ للنظر في ابن رشد، وفكره، ثم النظر في منهجه الفكري، فقهاً وقضاء وتشريعاً، ومنهجيته البحثية ونسقه الفكري، فلم يكن هذا البحث الذي صادفته كافيا للبحث عن ابن رشد، وإن كان محفزاً لبحث دقيق عن علم قانوني لم يعدم الجدل في حياته وبعد قرون من موته.

1. عن سيرته ونسبه:

بعد وفاة الغزالي ببضع عشر سنة فقط، وُلِدَ أبو الوليد ابن رشد، ليترك أثرا عصيا على الخبء والمحو في تاريخ الفكر العربي والغربي، في الفلسفة أصلاً، وكذا أحاط بالطب، والتشريح، والإلهيات، والطبيعة. انتمى ابن رشد إلى عائلة قضائية، إذا صحت التسمية غير المعهودة في زمانه، فجده "أبو الوليد محمد" كان كبير قضاة قرطبة في عهد المرابطين، وتم له الشرف علماً وتبجيلًا بين العامة والحكام، ثم خلفه من بعد ذلك ولده، وقد تولى القضاء حتى زوال خلافة المرابطين وقد خلفهم الموحدون.

كان لابن رشد بداية تقليدية في منهج التعلم، كسائر أقرانه، درس في مهده علوم الحديث، وأصول الفقه، والنحو، والعقيدة. ولما نزح ابن رشد إلى مراكش إذ كانت تحت حكم الموحدين وخليفتهم "عبد المؤمن"، نشأت علاقة عميقة بينه وبين صاحب "حي بن يقظان" الفيلسوف المسلم "ابن طفيل"، صديقه وأستاذه، الذي قدمه للخليفة عبد المؤمن، وتحت رعاية الخليفة تولى ابن رشد القضاء وكان طبيبه الخاص، الآخذ بلبه إعجاباً وتقديراً. وحين أصاب الخليفة حب الفلسفة اليونانية، لم يجد سوئ طبيبه ابن رشد فاستدعاه طالباً منه الكتابة، تعليقاً وشرحاً، لما كتبه الفلاسفة اليونانيون الأقدمون، ويمكن القول إن هذه المبادرة هي التي بني عليها العمل الذي انتهى إلى أن يوصف ابن رشد ب "الشارح الأكبر". ويظل التعريف الأهم لابن رشد بعد الفلسفة والقضاء، هو مساهمته الفكرية الأخلد في ترجمة تراث أرسطو، المعلم الأول، واقتفاء تراثه، تحقيقاً وشرحاً واختلافاً، فهو اشتباك مع تراث أرسطو، يصعب تكراره أو تجاوزه.

لا يمكن دائما تجاهل حبكة الأقدار بوصفها بأنها مصادفات قَدَرية، فقد كان القدر أن يولد ابن رشد ثم ينبغ ويعيش ويدفن، في قرطبة، الأندلس، إسبانيا في زمن خلافة الموحدين، وقرطبة إذ ذاك كانت رابطة بين الشرق الغرب، وكذلك كان إسهام ابن رشد، فهو أهم الفلاسفة المسلمين تأثيرا في الغرب، بل و قد سمي مريدوه بال "رشديون" Averros ، ثم قضية ابن رشد الكبرى، نزع الخلاف بين الشريعة والفلسفة، وتجليها الأهم في كتابه الخالد: "فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من اتصال"، وموضوع الكتاب من تحرير الأوهام المتعلقة بخلاف الشريعة مع الحكمة، وتفنيد ما علق بالفلسفة من اتهامات بالخروج عن الملة أو نقض عقائد المسلمين، ثم الكشف عن منهجية البحث الفلسفي وثمرته و مدى اتساقه مع المنظومة الفكرية الإسلامية. إن الشارح الأكبر لا يمكن أن نطلق عليه "نصوصيّاً" في تناوله لفظ أرسطو ولا فكره، كما لا يمكن لمنصف القول إن ابن رشد كان يأخذ من أرسطو ويرد من باب الدين وحده، أو اتباعاً الشريعة فحسب. وبالأحرى هو لم يكن شارحاً متوقفاً على النصوص، يتردد بين الترجمة والشرح، بل هو من حمل فلسفة أرسطو واليونان القديمة، للعرب أولاً، ثم وحصراً من خلاله، عرفت أوربا الفلسفة، ف "الشارح الأكبر" لقب خُلِق لابن رشد، تماما كما خلقه الله ليفتح باب الفلسفة الذي كاد أن يندحر ويطمس.

2. الشارح الأكبر بين الفكر والسياسة

لم يعدم ابن رشد طيلة مسيرته معارك فكرية وسياسية، قد تكون أعيت مسيرته رهقاً، إلا أنها خلقت لها تفرداً. فقد حمل لواء الدفاع عن الفلسفة بوصفها طريقاً من ثلاثة تؤدي إلى معرفة الله، وقد زعم أفضليتها على غيرها من طرق الوصول للحقيقة. وفي غمار ذلك خاض معاركه مع الأشاعرة، فالمعتزلة، ثم المتصوفة، وحتى المجسمة. ثم إنه قد أسهم لدى ذوده عن الفلسفة، محاجاً من رماها بالخروج عن الشريعة، محتجاً على ذلك بالقول بأن الفلسفة من حيث إنها طريقة من طرق فهم الحقائق، فإنها تنفذ إلى قصد الشارع، الذي إن توقفنا بالأفهام عند النص وحرفيته، لتوصلنا إلى نتائج شائهة، تسوق النص إلى غير مقصده، فضلاً عن تعطيل دلالاته الحقيقية.

يقوم منهج ابن رشد في تقييمه للفلسفة كعلم ومنهج تفكير، على أن الشارع سبحانه وتعالى قد أمر المكلفين بالنظر في الموجودات بالعقل والشرع. فقد جاءت نصوص قرآنية عدة تحث على النظر في الموجودات بالعقل، وذاك ما أطلق عليه ابن رشد "البرهان" او القياس العقلي. أما الشرع فلا يخلو النظر في نصوص الشارع من استخدام العقل لاستنباط الحكم الشرعي. وإذ نعود تارة أخرى إلى القياس، فقد ألزم وجود القياس تحريره من الخلط الواقع مع ما تشابه معه، من قياس جدلي أو مغالطي أو خطابي، وقد تناول ذلك كله شرحاً ونقداً، وقبل ذلك فقد استلزم هذا من المجتهد أولاً التفرقة بين القياس وما لا يعد قياساً من العمليات العقلية الأخرى.

وبعد القياس الفقهي الذي يهتدي به المجتهد إلى الحكم الشرعي، ألمع ابن رشد إلى وجوب القياس العقلي لكل ناظر في أمر المعرفة الإلهية فضلا عن النظر في الموجودات، وأن ذلك أولى من القياس الفقهي، ومن ذلك استنتج أن الفلسفة من حيث كونها نظر عقلي في خلق الله وصفاته وافعاله، فهي أمر محمود بالشرع. وإن من خشي كتب الحكمة، أي الفلسفة، خوفا من الوقوع في الكفر او اتهامه به، هو كمثل من عزف عن شرب الماء حتى هلك خوفا من أن يلق مصير أحد قد مات مسموما بماء كدر.

وقد رد على من قال ان القياس العقلي لم يوجد في زمن النبوة، بأن القياس الفقهي لم يوجد كذلك في عهد النبوة، وأن الخلل في القياس الذي قد يعود لخلل الناظر في القياس أو ضعف عقله وفكره أو خلل في نفسه، فهو امر يعود لشخصه لا لإعمال العقل، فالنافع بذاته لا يترك مظنة للضرر ممن سواه.

ثم طرق باب فكرة لا تقل عبقرية عن سائر أفكاره التأسيسية، وهي ما زعمه من أن القياس الفقهي هو ظني الدلالة، فالفقيه يحاول استنباط الحكم الأقرب من الدليل الشرعي، وهو ضروري أيضاً، لكنه لا يقطع بحقيقة قصد الشارع، بل يرسم مقاربة لأصح ما استطاع أن يصل إليه المجتهد. بينما القياس العقلي هو أمر استنبط به العقل الشئ المجهول، قياسا من آخر معلوم، فهو كشف عن حقيقة، فهو يقيني وليس ظنيا كالفقهي.

3. زيارة جديدة لفلسفة ابن رشد..

(نحو استقصاء عقل ابن رشد وكيف كان يعمل)

يرى ابن رشد أن الفلسفة حكمها الشرعي يدور بين الواجب والمندوب، اذ أنها في حقيقتها هي تفكر في الموجودات، وهي الصنعة، تفكرا يدل على الصانع وعلى صفاته وقدرته وكماله، فاستشهد في ذلك بكثير من الآيات المتواترة عن فرض التفكر، بل والمؤاخذة على الغفلة عنه، مثل قوله تعالى: "أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء". ثم بدراسة المنطق، تأسيسًا على ان النظر في الموجودات وصولا الى الواجد الصانع، فإنه نظر للوصول إلى المجهول عن طريق المعلوم، وان هذا النظر هو استنباط وقياس عقلي، وهذا هو البرهان. وهنا تظهر المقارنة بين القياس البرهاني المنطقي والقياس الجدلي والقياس الخطابي والقياس المغالطي.

ثم إن هذا القياس لا يكون الا بمعرفة مقدماته ونتائجه، ومعرفة السليم منه من الفاسد، والقياس الصحيح وما لا يكون قياساً، وهذا هو استنباط الفقيه الذي لا يتم بغير القياس وكذا الفيلسوف المتأمل للحقائق. فبذاك يرد عنده ان المنطق هو علم آلة، ارتبطت به الضرورة، لأن الضروري لا يتم إلا به. ثم رد على القائلين بتحريم علوم غير المسلمين، بدعوى ان المنطق كعلم آلة هو دخيل على استنباط الحكم الشرعي، ورد على ذلك بأن القياس الفقهي هو ايضا لم يكن في زمن الرسالة، وانما استحدث لاستنباط الحكم الشرعي فيما استجد من مسائل، وعلى ذلك فالقياس العقائدي علم آلة لأداء ذات الوظيفة التي يقوم بها القياس الفقهي

وقد يقال ان لابن رشد فلسفتان، إحداهما قد رآها الغرب من زاوية اهتمامه، في شروحه لأرسطو، فجعل فكرهما واحدا، وهو خلط أكيد، فالشارح عربي مسلم قد نقل عنه ما يثبت دينه، وفي الشروح ما يثبت نقده لبعض أقوال ارسطو. وفضلا عن زاوية الاهتمام، فإن جل ما نقل عن شروح ابن رشد لفلسفة أرسطو إلى أوربا قد نقل مترجما إلى اللاتينية والعبرية أولا، قبل اللغات الأوربية المعاصرة، وهو أمر لا يخل من إدخال الوهم والخطأ. ومما يوضح الخلط الأوربي ان شروح ابن رشد لأرسطو قد انطوت على شرح كبير وصغير وملخصات، فأما الصغير منها فهو مركز ومحدود، اختلطت في صفحاته كتابة ارسطو بشرح ابن رشد، ويزداد الأمر خطورة عند الترجمة، إذ يستحيل صوت المؤلف واحدًا، متجانس لا اختلاف فيه، فيصبح نسبة السرد كله لكاتب واحد امر منطقي يصعب اثبات عكسه.

4. الاستنباط عند ابن رشد (ضرورة التأويل، وطبقية الفكرة)

عرّف ابن رشد التأويل في الشرع بأنه: "إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية" ولذلك فقد ذهب ابن رشد إلى إن صاحب البرهان هو أحرى بتأويل النص الشرعي من الفقيه، وما ذلك إلا لأن القياس عند الفقيه قياس ظني أما القياس عند صاحب البرهان والقياس المنطقي هو قياس يقيني. ومن هنا نلق ضوءاً على فكرتين تأسيسيتين عند ابن رشد، وهماضرورة التأويل وطبقية التفكير.

فابن رشد قد اعتنق فكرة تخلص إلى ضرورة التأويل، فالاستنباط عنده ضرورة. إذ إنه يرى أن للنص التشريعي دلالتين، إحداهما حقيقية، والأخرى مجازية. وأن الوقوف بالنص عند حرفيته ونصه، يعطيه جموداً أكثر مما يضفي عليه من وضوح، ثم إن يقول بأن الحقيقتين الفلسفية والدينية لا يتعارضان أبدا، فإن كان من تعارض فعنده يصبح التأويل لازما، إلا إذا لم يكن للاستنباط العقلي وجها للاتفاق مع النص الشرعي، فيصبح الاحتكام للنص الشرعي.

والاستنباط عند ابن رشد قدرة خاصة بامتياز، ومن هنا نمر بالدلالة الثانية وهي طبقية الفكرة، إذ انتهى رأيه إلى أن اهل البرهان هم المخاطبون، أو المؤهلون بالنظر في "المعاني الباطنة" للنص، او جواهره وحقيقته. اما ظاهر النص وحرفيته فموكول لأصحاب المنطق الجدلي والخطابي، وقد يعني بهذين الفئتين في زمننا المعاصر المثقفون مقابل العوام من الناس، أو المتعلمون مقابل اصحاب الحظ المحدود من التعليم. وقد ضرب ابن رشد لهذا مثلا ان الطبيب هو من يصل بالحكمة والقياس المنطقي الى يقين من علوم الطب، فإذا أرشد المرضى من غير ذوي العلم عن طرق للوقاية او العلاج، فهم مستدلين بمنطق خطابي او جدلي، لكن قياسهم ليس قياسا يقينيا فهم لم يستدلوا عليه ببرهان عقلي.

وأخيرا، فإنه تكلم عن حديث الشارع (المشرع) إذ رأى أن النص منه قطعي الدلالة وظني الدلالة، وفيه دلالات ظاهرة، وأُخر باطنة، وأن المجتهد لا يصل للمعاني الباطنة سوى من بوابة الفلسفة، والحكمة، وأن المجتهد على حرفية النص لا يبلغ نظر الفيلسوف في النص الذي يدرك بملكته الحقائق العليا من النص، وهي المعاني الباطنة، القطعية في دلالتها ومعناها.

5. خاتــــــــمة

بأعيننا..

(كيف نرى ابن رشد من خلال تراثه في ساحة الفكر القانوني المعاصر)

قال المؤرخ الأندلسي ابن الآبار عن ابن رشد: "أن الدراية كانت أغلب عليه من الرواية".. وثمرة هذا القول لا تتصل حتما بعلم الحديث الذي صكت من أجله اصطلاحات الدراية والرواية. أما المعنى العام للرواية والدراية، الذي نحسبه مقصودا في هذا المقام، فهو الرواية أي الوقوف عند النص، وحصر التفكير في حدود حرفيته ومعانيه المباشرة، مقابل الدراية من حيث هي فهم المصلحة التي ابتغاها النص، بواعثه وذرائعه، سياقه وزمنه التي شرع من أجله او بمناسبته.

ونحن إذ نستقصي فكر ابن رشد القانوني والتشريعي، عبر منهجه الفلسفي ومواقفه الحركية ومعاركه الفكرية، فإن الاستقصاء والتحقيق بذاتهما هما المقصودان، وليس الحصر والتصنيف. وإن ما استعرضناه، سيرة وفكراً، لا يكف عن البوح بأن ابن رشدكان حاملا مهموماً بقضية تأسيسية وهي الامتزاج بين الشريعة والحكمة، أقول الامتزاج لا التوفيق بينهما، فالتوفيق اصطناع ألفة بين خصمين، أما الامتزاج كشف عن حقيقية اتصال والتحام بين متوافقين، لا يتصور عقلا النفور ولا استحكام الجمع بينهما. فعند ابن رشد "الحكمة هي صاحبة الشريعة، والأخت الرضيعة، وهما (متحابان) بالجوهر"، فإن الأمر عنده إذن ليس اجتهاد فقيه، بل فلسفة حكيم في الكشف عن الحقيقة، وهي الاتفاق بين الحقيقتين، لا البحث عن أرض تجمعهما بتكلف أو بحث.

وقد نستنتج من هذا النهج الرُشدي القيم، وما تكشف عنه السردية التي طرحت في هذه المساحة، أن ابن رشد لم يكون نصوصيا ولا متوقفا على حرفية النصوص ومعانيها الظاهرة، وذلك غني عن البيان. لكننا في المقابل أيضا، لا نرى أنه ينتمي للمدرسة الواقعية بشكلها الفكري المعاصر. فابن رشد يرى أن النص يحمل بذاته آليات الاجتهاد في إطاره دون التقيد بنصه، وأن العقل الذي حاز مَلَكةَ الاجتهاد، هو مؤهل بذاته لإدراك دلالات النص نحو "المعاني الباطنة للنص"، وإشاراته "للحقائق العليا". ونرى أن ذاك هو منهج ابن رشد مع النص الشرعي الإلهي، وكذا النص التشريعي وإن كان أمرا سلطانيا أو مرسوما ملكياً أو تقنينا برلمانيا معاصرا، فكل نص يحمل أسباب تشريعه وخلقه، والغرض من ورائه، وسياقه الزمني، وهذه المعطيات تكشف عن وجهة النص وفلسفته تماما كما يكشف الواقع عن جوانب أخرى للنص، توجب مستحدثات الأمور استدعائها أو تعطيلها. وتلك المقاربة بين النص الشرعي وغيره من النصوص القانونية لا تخالف ما تعلمه بديهة الفقيه أو القاضي أو المشرع، من محدودية النص التشريعي الذي ينتجه العقل البشري المحدود، مقارنة بالنص الإلهي الذي أحاط بكل شيء خُبرًا.

المراجع:

- أبو الوليد ابن رشد،" فصل المقال وتقرير ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال"، دار المشرق الطبعة الكاثوليكية، بيروت لبنان

- أبو الوليد ابن رشد،" مناهج الأدلة في عقائد الملة"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، طبعة ١٩٦٤

- جيهان نور الدين محمد المقدم (٢٠١٧)، ابن رشد والتنوير "دراسة تحليلية نقدية"، بحث مقدم من الكاتبة أستاذ مساعد العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر

- عبــاس محمود العقـــاد (١٩٥٣)، ابن رشــــــد، الناشر: مؤسسة هنداوي.

- Sidiropoulou, Chryssi (2015). Qur’anic Interpretation and the Problem of Literalism: Ibn Rushd and the Enlightenment Project in the Islamic World, Religions 2015, 6, 1082- 1106

- Islam, Sherif (2007), The Ibn Rushd Syndrome: In Search of Rational Muslim, University of Illinois.